السلام عليكم و رحمة الله
أجريت منذ زمن تجربة عملية على مجموعتين من الفئران لقياس أثر الأمل على الرغبة في المقاومة والتحدي.
وضعت المجموعة الأولى من الفئران في إناء مملوء بالماء في ظلام تام. وتم قياس الفترة الزمنية التي حاولت فيها مجموعة الفئران أن تقاوم الغرق، ولم تتعد هذه الفترة ثلاث دقائق استسلمت الفئران بعدها للغرق.
أما المجموعة الثانية من الفئران، فقد أجريت عليها نفس التجربة مع فارق واحد فقط، وهو أنه بدلاً من وضع الفئران في الظلام التام، تم تمرير شعاع من الضوء بين الحين والآخر على الإناء الموضوع في الظلام. وكان المدهش أن الفئران قاومت الغرق لأكثر من 36 ساعة قبل أن تستسلم. الفارق هنا أن شعاع الضوء كان يحيي الأمل في النجاة!
هل الأمل قيمة عملية، وهل لوجوده أو غيابه أثر على سلامة المجتمعات أو أداء العاملين في الشركات والمؤسسات؟ وهل نحن في حاجة إلى وسيلة عملية لقياس الأمل وتطويره وزيادته لتحسين ظروف مجتمعاتنا بوجه عام والأداء الوظيفي والتطور المهني على وجه الخصوص؟ وكيف يمكن أن نضع تعريفاً عملياً له. وأفضل ما قرأت في هذا المجال هو تعريف الباحث الأمريكي الدكتور ريك سنايدر من جامعة كانساس، الذي يعرف الأمل بأنه "مزيج متناغم ومتوافق من الأمور التالية: وجود هدف في الحياة، ووجود وسيلة عملية لتحقيق هذا الهدف، مع الحافز الشخصي وعلو الهمة لتحقيق هذا الهدف".
لقد أثبتت كل الأبحاث العلمية التي أجريت حول هذا الموضوع، أن الأشخاص المفعمين بالأمل هم الأقدر على النجاح العملي. بل أن الدكتور ريك سنايدر يؤكد أن أبحاثه قد أثبت أن وجود الأمل أهم بكثير من وجود التعليم أو التفوق الاجتماعي أو حتى القدرات الشخصية. تأملت ذلك وأنا أرجع بذاكرتي إلى سيرة عظماء أمتنا والقدوات الصالحة لها على مر الأجيال. لقد تميزوا جميعا بالتفاؤل والنظرة الإيجابية للواقع مع علو الهمة والرغبة الجادة في تغيير الواقع إلى الأفضل، والقدرة على تحويل الأمل إلى طاقة إيجابية للنجاح والنجاة.
حن في حاجة إلى أن نعيد إلى مجتمعاتنا روح الأمل والرغبة في التفوق والتقدم. لابد أن تعود الابتسامة والبساطة والتفاؤل لتغلف كل الأوعية العملية التي نفرغ من خلالها طاقاتنا العملية والاجتماعية.
إن التفاؤل لا يعني الاستسلام، ولكنه سلاح فعال لتقوية النفس على مواجهة الصعاب، وطريق النجاح طريق شاق ولكنه يهون بالأمل.
الأمل ليس ترفاُ ولكنه وسيلة هامة للبقاء والنجاة في أزمنة الشقاء والقهر، وهو كذلك أداة تطوير وإبداع في أزمنة التفوق والتقدم. وإذا لم نتعلم من فئران التجارب أو من أبحاث الجامعات، فلنتعلم من سيرة أفضل البشر، فقد كان الأمل رفيق دربهم، وأحد أهم أسلحة التغيير في زمانهم.